المحافظة العقارية كآلية للحفظ العقاري في التشريع الجزائري

Abstract

العقار ثروة لا تزول وحب امتلاكه وجد منذ أن خلق الله الإنسان ، وغرس فيه غريزة حب المال والتملك، غير أن التنافس في طلب ملكيته أدى إلى ظهور العديد من الخلافات نجم عنها في غالب الأحيان نزاعات كثيرة و معقدة. هذا ما دفع بالدول إلى إيجاد عن طريق تشريعاتها الإطار الأمثل الذي يتم بموجبه تنظيم ملكية الشخص للعقار، والمحافظة عليها ، مدركة في نفس الوقت أن حق الملكية وسائر الحقوق العينية الأخرى سواء كانت أصلية أو تبعية من الحقوق التي يحتج بها في مواجهة كافة الأشخاص، و لكي تكون لها قوة الاحتجاج هذه لا بد أن يعلم الغير بماهية هذه الحقوق و التصرفات التي ترد عليها، و كذا الأشخاص الذين تثبت لهم . ذلك أن نقل هذه الحقوق بمجرد التعاقد فقط لا يحقق هذا العلم ، بل قد يترتب عليه أضرار جسيمة تصيب المتعامل و الغير على حد سواء إذ قد يتم التعامل مع شخص على أنه المالك في حين أنه قد نقل هذه الملكية إلى غيره، الأمر الذي قد يؤدي إلى ضياع الحقوق و يعرقل تداول الأموال، و من ثم يهدد فكرة الائتمان العقاري . من أجل ذلك أولى المشرع الجزائري كامل الاهتمام بالملكية العقارية، وما يرد عليها من تصرفات و معاملات ، و ذلك من خلال إصداره للعديد من التشريعات تهدف إلى تسيير وتنظيم الحفظ العقاري، بما يتماشى و فكرة حماية الملكية العقارية وضمان إستمراريتها. ولتحقيق ذلك وضع العديد من الآليات تعمل في نفس الإتجاه بما يكرس أكثر الثقة في التعاملات العقارية و يضمن استقرارها منها ما هو في شكل مديريات قائمة بذاتها مثل مديرية أملاك الدولة، مديرية الحفظ العقاري و مديرية الضرائب على مستوى الولايات ومنها ما هو على شكل مفتشيات كما هو عليه الحال بالنسبة إلى مفتشية أملاك الدولة و مفتشية الضرائب على مستوى البلديات و منها أيضا ما هو في شكل مصالح عمومية موضوعة تحت وصاية وزارة المالية مثل مصالح التسجيل، مصالح المسح، والمحافـظات العقارية على مستوى المحلي . سوف ينصب بحثنا هذا على المحافظة العقارية كأحد الآليات المهمة في عملية الحفظ العقاري ، و ذلك نظرا لإعتبارها نظام قانوني قائم بذاته تباشر بواسطتها مجموعة من الإجراءات والشكليات إما أنها تهدف إلى نقل حق الملكية، أو إلى إنشاء حق عيني عقاري، أو أعباء أخرى تتقله. وعليه، فإن موضوع المحافظة العقارية في التشريع الجزائري له أهمية بالغة و ما زاد من أهميته جملة من الاعتبارات لعل من أهمها طبيعة المشكلة العقارية في التشريع الجزائري من جهة و استفحال و تعقد المعاملات العقارية من جهة أخرى، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار التغيرات الاقتصادية و السياسية التي عرفتها الجزائر في الآونة الأخيرة، لاسيما مع فتح الباب على مصراعيه لنظام اقتصاد السوق الذي يتطلب تشجيع الإستثمار، ودعم نظام القروض بالإضافة إلى مختلف التحفيزات التي كثيرا ما تكون مشروطة بكفالة أو رهون، أو ضمانات عقارية أخرى ، يجهل العديد من الأفراد. مدى تعقد إجراءاتها وخطورة الإقدام عليها في بعض الحالات من هنا ظهرت الحاجة إلى بحث مثل هذا الموضوع، لحداثته من جهة و محدودية الثقافة القانونية في هذا المجال للعديد من الأفراد كالتجار وأصحاب المهن الحرة و حتى المختصين في الميدان من جهة أخرى. إن إختيارنا لهذا الموضوع - المحافظة العقارية كآلية للحفظ العقاري في التشريع الجزائري - الغرض منه التعريف بنظام الحفظ العقاري، و موقف المشرع الجزائري منه. بالإضافة إلى ضبط القواعد والشروط القانونية الواجب توافرها في المحررات الخاضعة لحفظ العقاري، مع التعريف بالمحافظة العقارية كأحد الآليات المهمة التي تعمل على حماية الملكية العقارية بدءا بتحديد طبيعتها القانونية و وصولا إلى المهام الموكلة لكل قسم فيها مبرزين في ذلك الإجراءات المتبعة في حفظ الوثائق العقارية وكيفيات قبول إيداعها و الأهم من كل هذا و ذاك، هو محاولة الإجابة على التساؤلات الأساسية التي يتطلبها مثل هذا الموضوع المتمثلة أساساً فيما إذا كان نظام الحفظ العقاري الذي تبناه المشرع الجزائري كفيلا بحماية الملكية العقارية في الجزائر أم لا؟ و هل وضع المحافظة العقارية باعتبارها أحد الآليات المهمة في الحفظ العقاري تحت وصاية وزارة المالية من شأنه أن يحقق الأهداف المرجوة ؟ أم أنها في حاجة إلي هيكلة جديدة حتى تواكب التغيرات الإقتصادية و السياسية التي تعرفها الجزائر ؟