إثبات الجرائم المعلوماتية

Abstract

أحدث التقدم العلمي الهائل في مجال تقنيات المعلومات و تدفقها في السنوات الأخيرة، ثورة إلكترونية تطبق الآن في جميع مناحي الحياة، و أضحى من الصعوبة بمكان الاستغناء عن خدماتها اللامحدودة، بحيث نستطيع أن نقول بثقة بأنه لم يعد هناك شأن يتصل بالحياة الإنسانية إلا و طاله نصيب من هذا التطور التكنولوجي المثير. و على الجانب الآخر من هذا الوجه المشرق، واكب هذا التقدم تقدما مناظرا له قادته العقلية البشرية الإجرامية مستغلة على وجه غير مشروع المخترعات العلمية و ما تقدمه من وسائل متقدمة في ارتكاب العديد من الجرائم التقليدية و استحداث صور أخرى من الجرائم ارتبطت ارتباطا وثيقا بالتقنية المعلوماتية، عرفت هذه الجرائم بالجرائم المعلوماتية. إن ظهور الجرائم المعلوماتية بما يميزها من طبيعة خاصة سواء من حيث محلها أو أسلوب ارتكابها و حتى من حيث مرتكبيها، أدى إلى ظهور العديد من المشكلات، كان من أبرزها القصور الذي اعترى لفترة طويلة القوانين الجنائية الموضوعية التي وضعت نصوصها في ظروف تختلف عن الظروف التي خلفتها ثورة المعلومات. و لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فسرعان ما نتقل هذا القصور إلى القوانين الجنائية الإجرائية، خاصة مجال الإثبات الجنائي كونه أحد أهم مواضيعها. فالطبيعة الخاصة التي تتميز بها الجرائم المعلوماتية تركت آثارا واضحة في إثباتها، حيث أفرزت جملة من التحديات القانونية على الصعيد الإجرائي تجسدت في المقام الأول في العديد من الصعوبات التي أصبحت تشكل عائقا كبيرا أمام أجهزة العدالة الجنائية خاصة في ظل غياب المعرفة التقنية لدى هذه الأخيرة، الأمر الذي أدى في الكثير من الأحيان إلى عدم اكتشاف العديد من الجرائم المعلوماتية في زمن ارتكابها و عدم الوصول إلى مرتكبيها، و حتى تعذر إقامة الدليل اللازم لإثباتها. أمام هذا الوضع، أصبح الأمر يستدعي و بشدة إعادة النظر في وسائل الإثبات التقليدية و تطويرها بما يواكب التطور في أساليب ارتكاب الجرائم المعلوماتية، فضلا عن ضرورة وضع الخطط و البرامج الإستراتيجية لتحديث أجهزة العدالة الجنائية و تطويرها لتصبح قادرة من الناحية التقنية على التصدي لهذا النوع المستحدث من الجرائم.