-المرأة بين الواقع والمثال في مسرح "برنارد شو" (من يدري) (بيقماليون) – نموذجا

Abstract

يقدم المؤلف الإيرلندي "جـورج برنـارد شـو SHAW BERNARD GEORDGE" المسرحي الواقعي، والناقد الاجتماعي- صاحب الآراء التهكمية في المرأة- في مسرحيتي (من يـدري you tell can naver) (بيقماليون pygmalion (صورة عن المرأة بمختلـف انتماءاتهـا ومستوياتها. نجد نموذجا عن المرأة الحبيبة ممثلا في شخصية "جلوريا" وهي تلُف حبالها حول الرجل؛ للإيقاع به في شباك الزواج، مؤيدة في ذلك بما تمنحها إياه "قوة الحياة" من أدوات ومهارات لأجل إتمام مهمتها المقدسة في الحياة، مهمة إنجاب السوبرمان الذي سيتولّى إنقاذ العالم، وتخليص البشرية من كل صور النفاق والزيف – حسب رؤية "شو" الفلسفية- وهذا ما أراد " " أن يوضحه للقارئ من خلال سير الأحداث داخل المسرحيتين. فمن خلال تجربة "جلوريا" مـع "فـالنتين" وجـدناهما شخـصيتين مثقفتين، تعيان ما تفكران فيه. وهذا ما يتضح من خلال السير التطوري للعلاقة التي تـربط بينهمـا. كما نجد نموذجا آخرا ممثلا في شخصية "ليزا" التي اتبعت عواطفها وأحلامها، وعاشت معاناة قاسـية لحبها لمعلمها "هيجنز" الغافل عنها، غير العابئ بما تشعر به. "شو" ومن خلال "لـيزا" "هيجنز" يؤكد فكرته، التي ترى بضرورة تحر المرأة من سـيطرة الرجـل، واسـتعباده لهـا. واعتبارهـا ملكـا من ممتلكاته الخاصة التي تحتل جزءا في بيته، مثلها مثل باقي الممتلكات. لـذا يحـاول مـن خـلال "هيجنز" ولو بطريقة قاسية، لفت انتباه "لـيزا" المرأة إلى ضرورة التخلي عن الإحـساس بالإهمـال، ولهوان، والعمل على إثبات ذاتها كامرأة، لديها وسائلها لاحتلال مكانـة لائقـة فـي حيـاة الرجـل ومن ثم في مجتمعها. كما يقدم نموذجا عن المرأة الأم، وهي تواصل مهمتها في تربية وتنـشئة جيـل جديـد، تمنحـه من الحرية والاستقلالية ما يتيح له التعبير عن أفكاره وآماله وأحلامه بكل حرية. إنه ممثل في شخصية "مسز كلاندون" التي فضلت أن تنفصل عن زوجها؛ لأجل أن تتمكن من أداء مهمتها دون قيود تكبـل حريتها خلف قناع العادات والتقاليد. رافضة ذلك الواقع الذي يقيد حرية الأبنـاء، وتعمـل بعـد ذلـك على إعطائهم حرية التصرف والتكلم والتفكير... من أجل بناء مجتمع سليم قادر على المـضي قـدما نحو التطور والتقدم. ثم يقدم نموذجا عن المرأة الأرستقراطية الممثل في شخصية "ليزا"- تلك الفتـاة الفقيـرة التـي تعيش تحت وطأة الإحساس بالذل والمسكنة نتيجة احتقار الغير لضعف حيلتها- التي تعيش على أمـل أن تظهر كسيدة مجتمع محترمة، فتتعلم سلوكات، وتتكلم بلهجة لم تكن سوى أمورا مكتـسبة تُـضيق عليها الخناق، وتحجب عنها حريتها. وهو من خلال تصرف "لـيزا" يهدف إلـى تعرية حقيقة ثابتة لدى أفراد الطبقة الأرستقراطية، وهـي عدم مراعاة مشاعر الغير، والدوس علـى كرامتـه، سـيما إن كان فقيرا معدما. في كل ذلك نجد نموذجا عن المرأة الجديدة- المتحررة. المرأة الرافضة لكل ضـوابط العـادات والتقاليد. الطامحة للتحرر والاستقلالية عن كل سلطة أنّى كان نوعها. نجد "مسز كلاندون" حصنت نفسها بقراءة كتاب (الحرية) لرائد الحركة التحررية في العالم "جون ستيوارت ميل" وكانت من أوائل المحاضِرات في هذا المجال، ثم قامت بتحصين أبنائها، ليواصلوا مسيرتها من بعدها. وخاصة الـشابة الكبرى "جلوريا" مثال المرأة النموذج، من خلال كل التجارب التي عاشتها – أسـرية واجتماعيـة- في المسرحية، فكانت امرأة قوية صامدة متحدية لكل المواقف الجادة والجريئـة، الرافـضة للـضعف والاستسلام... شخصية "دولي" التي كانت مثالا عن النموذج الفتي الشاب، الـذي يأخـذ الحيـاة مأخـذ الهـزل والسخرية، الثائر على كل القوانين الأسرية، والضوابط والعادات والتقاليد الاجتماعية. كذلك نجد نموذج شخصية "ليزا" الفتاة الضعيفة، التي تتمكن من النهـوض بنفـسها وتحقيـق ذاتهـا من خلال الوسائل التي اكتسبتها أثناء تجربتها مع المعلم "هيجنز". التي مكنتها من النظر بعين البصيرة لتلك الحقائق الاجتماعية المختفية وراء مظاهر براقة، وشعارات كاذبة. من خلال بحثنا في النماذج السابقة، وجدنا بأن "شو" يبث في كل واحـد منهـا مـن الوسـائل والأدوات الفيزيائية والنفسية والفكرية، ما مكنها من الاستمرار في مسيرتها نحـو التطور والنهوض بذاتها. امرأة تبحث عن حريتها واستقلالها الشخصي، وتستثمر كل ما تملك من طاقة لأجل النهـوض بنفسها. "شو" حاول أن يحمل المرأة بعضا من الملامح والسمات، التي طالما حلم بها؛ ليجعل منها مثـالا للنموذج الذي بحث عنه. النموذج الذي يرى فيه القوة والجرأة والتحرر والثبات والرفض لكل مظاهر الضعف والذل والهوان، والتبعية للغير، والانزلاق في مهاوي الرذيلة. وقد حافظ على تلك الملامـح - في كلا العملين المسرحين- فكانت مثالا للمرأة المتحررة، المتحدية، المرأة التي تستغل ما وفره لهـا "دفعة الحياة" من أدوات، لأجل أن تقوم بمهمتها على أكمل وجه. كما كانت مثالا للمرأة الأم المضحية، لأجل ضمان حرية أبنائها، واستقلالهم، ومثالا للمرأة الرافضة لكل مظاهر الزيف والنفاق والتصنع في المجتمع. في الأخير نشير إلى أن "شو" قد حافظ على ذلك الخط لفكري - في رحلة البحث عن المرأة النموذج، والمثال- في هذين العملين المسرحيين. ويبقى مجال البحث مفتوحا أمام الباحثين، لمعالجة الموضـوع من زاوية تسمح بإضافة الجديد الذي يثري هذا البحث.