Résumé:
لعلنا لا تكون مبالغين إذا قلنا إن التقدير من الموضوعات الخطيرة في الدرس النحوي, نظرا لما له من علاقة ببعض الظواهر النحوية الفاعلة, كالحذف و التضمين و التوهم, ومبدأ الأصل والفرع و القياس. ولما له أيضا من تأثير في تخريج السياقات و المسائل التي تبدو و كأنها خالفت النظام النحوي المتبع. هذا عن التقدير عامة, و يضاف إلى أهمية دراسته انقسام النحاة إلى مؤيد لوجود التقدير, وأخذ به, ورافض له, ثائر عليه كابن مضاء القرطبي, وما يتبع ذلك من أثر في صياغة القاعدة النحوية, و التباين في تخريج المسائل التي تتراءى و كأنها جنحت إلى ما لا يتماشى و ظاهر القاعدة.
فإذا كان للتقدير هذه المكانة في النحو عامة, فكيف يكون التقدير في القرآن الكريم؟
المعروف أن الباحثين عبر مختلف العصور درسوا القرآن الكريم من جوانب شتى, و تناولوه من وجهات متعددة, كل من نظرة معينة, و لغرض محدد, فكان التفسير لفهم كتاب الله و بيان معانيه و استخراج أحكامه, و الدراسات النحوية لفهم تركيبه وطبيعة تحبيره, و الدراسات المعجمية الخاصة بغريبه, حيث أغنى العربية بزخم من الألفاظ كالفردوس, و الحكمة, و الأب, و الخبء, و الكفات و السلسبيل, و غيرها من الألفاظ التي لم تكن دراجة على الألسن, أو كانت مستعملة و لكن في وضعها الأصلي, لا بالمفهوم الديني كالصلاة و النار و اللظى و العذاب و السلام و الرحمة و الجنان و الصراط و الهدى و غيرها. فبعث القرآن هبة في أوساط الدارسين, و نفخ فيهم العزيمة, و حرك فيهم العقول فنشطت و أبدعت, و أتاح لهم مجالا للبحث و التنقيب عن أسراره التي لا تنضب, وعجائبه التي لا تنقضي. فكان-و الحال هاته- أن يتعرضوا له بالدراسة و التفسير, فألفوا في آياته أساليب من القول لم يألفوها, و إن كانت من لغتهم, و ضروبا من فنون البيان تتأبى عليهم, و إن كانت من حروفهم فوقفوا حيالها مشدوهين متسائلين, و استثارت انتباههم أفانين القول فجعلتهم يتريثون في إحراجها و إعرابها, فصعب عليهم تخريجها على الظاهر فكان عليهم-و الحال هاته- أن يحملوا التركيب على معنى آخر, و يعطوا اللفظ مدلولا غير البارز, و ينزلوا الحرف منزلة يقتضيها السياق و يتطلبها المقام.